تواضعه على علو منصبه ورفعة رتبته
كان أشد الناس تواضعاً، وقد خيَّره الله بين أن
يكون نبياً مَلِكاً أو نبياً عَبداً، فاختار أن يكون نبياً عَبداً، فقال له
اسرافيل عليه السلام عند ذلك: فإن الله قد أعطاك بما تواضعت له أنك سيد ولد آدم
يوم القيامة وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع. وروى عنه
صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا
يَجْلِسُ الْعَبْدُ) وكان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار ويردف خلفه..،
ويَعُود المساكين ويُجَالِس الفقراء ويُجِيب دعوة العبد، ويجلس بين أصحابه
مختلطاً بهم: حيثما انتهى به المجلس جلس. وعن أنس رضى الله عنه أن امرأة كان فى
عقلها شئ جاءته فقالت: إن لى إليك حاجة قال صلى الله عليه وسلم: (اجْلِسِى يَا
أَمَّ فُلاَنَ فِى أَى طَرِيق المَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسُ إِلَيْكِ حَتىَّ
أَقْضِى حَاجَتِك، قال: فجلست؛ فجلس النبى صلى الله عليه وسلم إليها حتى فرغت
من حاجتها). وقد حج صلى الله عليه وسلم على رَحلٍ رَثٍّ وعليه قطيفة ما تساوى
أربعة دراهم، فقال: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حِجّاً لاَ رِيَاءَ فِيهِ وَلاَ
سُمْعَةَ) هذا وقد فتحت عليه الأرض وأهدى فى حِجَّهُ ذلك: مائة بُدْنَة. ولما
فتحت عليه صلى الله عليه وسلم مكة ودخلها بجيوش المسلمين طأطأ على رحله رأسه
حتى كاد يمس قادمته تواضعاً لله تعالى.
وعن أنس رضى الله عنه أن كانت الأَمَة من إماء أهل
المدينة لتأخذ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت حتى يقضيها
حاجتها. ودخل عليه صلى الله عليه وسلم رجلٌ ذات يوم فأصابته من هيبته رعدة،
فقال له: هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّى لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ
امْرَأةٍ مِنْ قُرَيْشِ كَانَتْ تَأكُلُ الْقَدِيدَ بِمَكَّةِ).
(موقف الكسرة أو الفتحة)
عدله وأمانته وعفته وصدق لهجته
كان صلى الله عليه وسلم أأمن الناس وأصدقهم لهجة؛
واعترف له بذلك الأحباء والأعداء وكان يسمى قبل نبوته بالأمين بما جمع الله فيه
من الأخلاق الصالحة، وعن الربيع بن خيثم قال: كان يُتحَاكم إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فى الجاهلية قبل الإسلام. وقال صلى الله عليه وسلم: (وَاللهِ
إِنِّى لأَمِينٌ فِى السَّمَاءِ أَمِينٌ فِى الأرض) وروى الترمذى عن على رضى
الله عنه أن أبا جهل قال للنبى صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نُكَذِّبك ولكن
نُكَذِّبُ بما جِئْتَ به"؛ وهذا يدل على مبلغ صدقه عند أعدى أعدائه الذى يجعل
الكذب فيمن أخبر الرسول برسالته رفعاً له هو نفسه عن الكذب، وعن عفته صلى الله
عليه وسلم ورد فى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم ما لمست يده يد امرأة قط لا
يملك رِقَّها، وقالت السيدة عائشة رضى الله عنها: (ما خُيِّرَ رسول الله صلى
الله عليه وسلم فى أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثما كان
أبعد الناس عنه) وكان صلى الله عليه وسلم يجتزأ نهاره ثلاثة أجزاء: جزأ لله
تعالى وجزأ لأهله ثم جزأ بينه وبين الناس؛ فكان يستعين بالخاصة على العامة
ويقول: (أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغى فإنه من أبلغ حاجة من لا يستطيع
إبلاغها آمنه الله تعالى يوم الفزع الأكبر).
|