خوفه ربه وطاعته له وشدة عبادته
كان ذلك على قدر علمه صلى الله عليه وسلم بربه عز
وجل كما قال فى حديث له صلى الله عليه وسلم: (أَنَا أَعْرَفُكُمْ بِاللهِ
وَأَخْوَفُكُمْ مِنْهُ) وروى البخارى عن أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ
كَثِيراً). وفى حديث المغيرة رضى الله عنه قام صلَّى رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى انتفخت قدماه فقيل له أَتُكَلَّف هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك
وما تأخر؟ قال: "أفَلاَ أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً". وقالت السيدة عائشة رضى
الله عنها: (كان عمل رسول الله ديمة، وأيكم يطيق ما كان يطيق!!) وقالت: (كان
يصوم حتى نقول لا يُفطِر، ويُفطِر حتى نقول لا يصوم) وقالت رضى الله عنها: (قام
صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة) وعن عبد الله بن الشخير رضى الله عنه:
(أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى ولجوفه أزيز كأزيز المِرْجَل)
وقال هند ابن أبى هالة رضى الله عنه: (كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان
دائم الفكرة ليست له راحة) وورد عن عوف بن مالك رضى الله عنه: (كنت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليلة فاستاك ثم توضأ ثم قام يصلى فقمت معه فبدأ
فاستفتح البقرة: فلا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، وما يمر بآية عذاب إلا وقف
وتعوذ، ثم ركع: فمكث بقدر قيامه يقول سبحان الله ذى الجبروت والملكوت والعظمة،
ثم سجد وقال مثل ذلك، ثم قرأ آل عمران ثم سورة يفعل مثل ذلك).
النبى حاز خصال الأنبياء كلها
جاء فى شرح العلامة الملا على القارى على الشفاء:
قال التلمسانى إن النبى صلى الله عليه وسلم حاز خصال الأنبياء كلها واجتمعت
فيه؛ إذ هو عنصرها ومنبعها، فأُعطى خلق آدم ومعرفة عيسى وشجاعة نوح وخُلة
إبراهيم ولسان إسماعيل ورضا إسحاق وفصاحة صالح وحكمة لوط وبشرى يعقوب وجمال
يوسف وشدة موسى وصبر أيوب وطاعة يونس وجهاد يوشع وصوت داود وحب دانيال ووقار
إلياس وعصمة يحيى وزهد عيسى. حتى لكأن جميع أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام خرجت منه صلى الله عليه وسلم ليقتبسوها منه؛ وقد أفصح بذلك البوصيرى
حيث قال:
وَكُلُّ آىٍ أتىَ الرُّسْلُ الكِرَامُ بِهَا |
|
فَإنَّمَا اتصَلَتْ مِـنْ نُورِهِ بهمِ |
|